مكتبة الإسكندرية أو «ببلتيكا دي لي اكسندرينا»، أقدم وأشهر مكتبة عامة عرفها التاريخ القديم، كانت نموذجاً للعولمة الثقافية قديماً إذ ضمّت علماء وطلاباً من جنسيات وأعراق وأديان مختلفة، لم تخضع مؤلفاتهم لحسابات مثلث المحظورات، الدين والجنس والسياسة.
كانت مكتبة الإسكندرية القديمة ماضياً تحوّل إلى منظور فكري وثقافي بعد أكثر من ألفي عام، إذ أعلنت الحكومة المصرية عام 1990 إحياء المكتبة القديمة بمشروع مجمع ثقافي وعلمي أُطلق عليه الإسم نفسه «مكتبة الإسكندرية». وافتُتحت المكتبة الجديدة عام 2002 خلال احتفال كبير حضره ملوك ورؤساء ووفود دولية رفيعة، لتكون منارة للثقافة ونافذة مصر على العالم.
تسعى المكتبة الجديدة إلى استعادة روح الانفتاح والبحث التي ميّزت المكتبة القديمة، فهي ليست مجرد مكتبة وإنما مجمعاً ثقافياً يضم مكتبة قادرة على استيعاب ملايين الكتب، وأرشيفًا للإنترنت، وست مكتبات متخصصة للفنون، للمكفوفين، للأطفال، للنشء، للميكروفيلم، ومكتبة للكتب النادرة والمجموعات الخاصة، وثلاثة متاحف أحدها للآثار، وآخر للمخطوطات، وثالث لتاريخ العلوم.
يستطيع زائر المكتبة، من خلال القبة السماوية وقاعة استكشاف العلوم والبانوراما الحضارية، مشاهدة عرض تفاعلي لنماذج من التراث المصري التاريخي والعلمي منذ 5000 عام وحتى يومنا بالاعتماد على الوسائط المتعددة.
كذلك تضم المكتبة سبعة مراكز للبحث الأكاديمي في مجالات الفنون والخطوط ومخطوطات التراث الحضاري والطبيعي، والمعلوماتية، بالإضافة إلى أربع قاعات للمعارض الفنية الموقتة، وتسعة معارض علمية وفنية وتاريخية دائمة يحكي أحدها تاريخ الإسكندرية عبر العصور، ويعرض آخر نماذج الآلات الفلكية والعلمية لدى العرب في القرون الوسطى، وثمة معرض لتاريخ الطباعة، وآخر لروائع الخط العربي ، ومعرضان عن «عالم شادي عبد السلام» و{أعمال الفنان عبد السلام عيد».
تستضيف مكتبة الإسكندرية عدداً من المؤسسات الدولية: أكاديمية مكتبة الإسكندرية (ABA)، المجموعة العربية لأخلاقيات العلوم والتكنولوجيا (ASEST)، مؤسسة «أنا ليند» للحوار بين الثقافات، وهي أول مؤسسة أورومتوسطية يكون مقرُّها خارج أوروبا، معهد دراسات السلام، التابع لحركة سوزان مبارك الدولية للمرأة من أجل السلام.
تعود شهرة مكتبة الإسكندرية القديمة الى أنها أقدم مكتبة عامة في العالم القديم وليس لأنها أول مكتبات العالم، فمكتبات المعابد الفرعونية كانت معروفة لدى قدماء المصريين ولكنها كانت خاصة بالكهنة فحسب.
ويُعتقد أنّ تأسيس المكتبة القديمة كان بأمر بطليموس الأول، في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد، وبلغ عدد الكتب التي احتوتها 700000 مجلّد وبالتالي كانت أكبر مكتبة في العالم آنذاك، وتنوعت مؤلفاتها حول علوم الحضارتين الفرعونية والإغريقية، وفيها حدث المزج العلمي والالتقاء الثقافي الفكري بين علوم الشرق وعلوم الغرب. وقد تميزت الفترة التاريخية البطلمية في مصر بالمزج الثقافي بين الحضارتين الفرعونية والهلينية التي أنتجت الحضارة الهلينستية، لذا تعد مكتبة الأسكندرية القديمة نموذجاً للعولمة الثقافية القديمة.
ظلّ الاهتمام بالمكتبة قائماً في عهد بطليموس الثاني، إذ وسِّعت وأضيفت إليها ملحقات، وذاد عدد مؤلفاتها ومن بينها أعمال هوميروس ومكتبة أرسطو.
وتذكر كتب التاريخ تعرُّض المكتبة للحريق في عام 48 ق.م عندما أشعل أمامها يوليوس قيصر 101 سفينة كانت موجودة على شاطئ البحر المتوسط، على إثر خلاف بينه وبطليموس الصغير شقيق كليوباترا، فامتدت النيران إليها.
ويختلف الباحثون حول تاريخ حريق مكتبة الأسكندرية ففيما يحدد بعض المؤرخون دمار المكتبة نهائياً في العام 391 م عندما أمر الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول بتدميرها ولم يبق منها سوى أطلال، يطرح البعض الآخر نظرية أخرى تؤكد أنه على رغم حريق ثيودوسيوس الأول فإن المكتبة صمدت حتى العام 640م، إذ دمِّرت تماماً إبان فترة حكم عمرو بن العاص لمصر بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب. في حين ينفي مؤرخون آخرون أي صلة للمسلمين وعمرو بن العاص في حريق المكتبة ويقولون إن الأخير دخل الإسكندرية في العام 642م في وقت لم تكن مكتبة الأسكندرية موجودة وإنها أُحرقت كاملةً في زمن الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر عام 48 ق.م.
يذكر الدكتور عزت قادوس، رئيس قسم الآثار اليونانية والرومانية في جامعة الإسكندرية، أن من بين العلماء الذين تعاقبوا على مكتبة الأسكندرية وعملوا بها في مجال علوم الرياضيات والفلك: أرشميدس، وإقليدس، وهيبارخوس الذي شرح أسس علم حساب المثلثات وطرح نظريته القائلة بجيومركزية العالم واعتبر أنّ النجوم أحياء تولد وتتنقّل لقرون عدة ثمّ تموت في نهاية المطاف، ومن المكتبة أيضاً طرح أريستارخوس الساموسي النظرية المعاكسة أي نظرية الهليومكزية، وهي القائلة بحركة الأرض والكواكب الأخرى حول الشمس وذلك قبل كوبرنيكوس بقرون عدة. ومن علماء الفلك أيضاً طيمقريطس وأرسطيلو وأبولونيوس البرجامي، وهو رياضي معروف، وكلاوديوس بطليموس، وهيرون الإسكندراني صاحب كتاب أفتوماتكا، أول عمل معروف عن الروبوتات. وفي مجال الجغرافيا استقبلت المكتبة الجغرافي إراتوسثينس الذي وضع مؤلفات في الجغرافية وأنجز خريطة دقيقة للعالم القديم. وعمل في المكتبة أيضاً جالينوس الذي ألّف أعمالاً كثيرة حول فن الطب والتشريح، وهيروفيلوس القلدوني وهو عالم وظائف استنتج أنّ مركز الذكاء هو الدماغ وليس القلب. ومن آخر أعلام المكتبة امرأة تدعى هيباتيا أو هيباشيا وهي رياضية وفلكية كانت لها نهاية مأساوية وميتة شنيعة على أيدي بعض الكهنة المسيحيين.