رجال السياسه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بكم في منبر المحامين الحر

    قصة (( يوم آخر لن احبه ))

    المحامي/هانى عادل
    المحامي/هانى عادل


    ذكر عدد المساهمات : 2
    تاريخ التسجيل : 12/08/2009
    العمل/الترفيه : محام وكاتب

    رساله قصة (( يوم آخر لن احبه ))

    مُساهمة  المحامي/هانى عادل الأربعاء أغسطس 12, 2009 9:29 am

    يوم آخر لن أحبه


    مثلهم جميعا قررت أن أكون.. أن أهبط .. أحتضن الأرض.

    كائن حي.. هذا هو اسمي داخل هذه المدينة التي لا يمكنك أن تسير فيها دون حذر في ظلمتها الدائمة.. التي زادتها ظلاما ألوان السيارات و زجاجها وألواح أرقامها السوداء العابرة بسرعة البرق لا تعيرك اهتمامها . فلست أكثر من علامة على الطريق . ربما تنتبه إليك حين تحاول أن تعبر إلى الجانب الآخر فتفلت من واحدة يسبك من فيها و يلعنك لتتلقى جسدك أخرى حين تدهسك .. وتفتت كل عظمة فيك. كهذا الملقى بجوار الرصيف .. على طريق الإسفلت .. والتي ما زالت رأسه تهشمها السيارات كعلبة صفيح واحدة تلو الأخرى.

    لقد كنت دائما أحاول عبور الطريق ولكن الخوف منعني. لذا قدمت شكوى كي يضعوا إشارة مرور لتخفف من سرعة تلك السيارات .. لتمنحني ولو أملا صغيرا في العبور بسلام . و حين أصررت و جمعت أهل المدينة معي –بمعجزة-وضعوا رجل مرور .. وإشارة صدمتها العربات لتقع فوق رأس رجل المرور تقتله.

    ليسير الناس بعدها في خوف من تلك العيون البراقة الراصدة من خلف زجاج السيارات القاتم التي أبطأت من سرعتها و تحركت في هدوء شديد بجوارهم و لكنها سرعان ما انطلقت كالعادة .. حين رجع الجميع كما كانوا للسير فوق الرصيف بجوار الحائط .. بل ربما ملتصقين فيه.

    لماذا أنت بالذات ؟ سر مع التيار و توقف عن التفكير.. هذا هو الذي قالته لي زوجتي الفاتنة الممشوقة القوام.. و لكنها لم تكن مقولة مواساة في أحد أيام المدينة المرهقة.. ولكنها كانت كلمات وداع.. حين قررت أن تستغل جمالها الفتان و تضع جسدها بين يدي أحد أصحاب تلك السيارات المسرعة التي لا يوقفها في طريقها شئ.

    تركتني ورحلت وتركتهما لي . فقد وجدتهما على الرصيف بينما كنت أسير أنفث دخان السجائر .. رضيعين.. ولد و بنت. لم أقف أمامهما كثيرا.. استمررت في طريقي و ابتعدت. وعدت إلى بيتي و هما بين يدي أحملهما وكأنهما باقتي ورد أقدمها لتلك الزوجة.. التي لم تهتم بهم كما ظننت. خاصة بعد أن أصبحت كجميع الرجال في المدينة عاجزا عن أمنحها حقها كأم وكأنثى.

    لذا فقد وضعتهما على السرير ونظرت إليهما مفكرا و هما يداعبان الوهم ناظرين إلى السماء و تمنيت لو أعود مثلهما.. و تخيلت اليوم الذي يكبران فيه و تساءلت.. هل هناك احتمال ولو واحد في المليون.. فقط واحد في المليون أن يستطيعا عبور الطريق يوما ما ؟!.
    بعد عدة أيام وجدتها .. زوجتي الجميلة على جانب الطريق ميتة عارية لا يسترها شئ سوى لسان كلب يلعق جسدها في تلذذ تشاركه فيه كلاب مشوهه أخذت تتجمع حولها.

    هناك مرة أخرى .. حيث الطريق إلى خارج المدينة.. إلى حيث الترف الذي لا يصل إليه إلا أصحاب السيارات المسرعة. ذلك الطريق الموحل لأقصى درجة .. و الذي لا يمكن أن تمر فيه عربة .. أو أقدام دون أن تغرز فيه مترين لأسفل. لذا يأتي من هم مثلي -أي أغلب سكان المدينة- كي يناموا فوقه.. فوق الوحل .. و بعصا صغيرة يتنفس منها يدفن جسده ووجهه كي يمروا بأحذيتهم اللامعة فوق ظهره. رفضت طويلا أن أفعل هذا.. صمدت وناضلت كي أمنع سكان المدينة من أن يقبلوا هذا.

    ولكن ها أنا ذا اليوم .. أقف في مكاني الذي حدد لي . تغرز ساقي في الوحل حتى صدري .. أنظر إلى كبير الموحلين و هو يأمرني.. لأضع أنبوب التنفس الضيق.. و أنزل على ركبتي وأدفن في هدوء تام صدري ووجهي المبتسم . بينما أري بعين الوهم الطفلين وهما يداعبان السماء .. مفكرا..
    "واحد .. فقط واحد ف المليون".


    من المجموعة القصصية المنشورة ( وقالها في صمت)


    هانى عادل
    باحث ماجستير في القانون
    عضو اتحاد كتاب مصر

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 6:30 pm